ربع قرن من الإصلاح والتجديد: إنجازات الملك محمد السادس في قانون الأسرة

ربع قرن من الإصلاح والتجديد: إنجازات الملك محمد السادس في قانون الأسرة

- ‎فيمجتمع, واجهة
img 1721517796980
إكسبريس تيفي

 نجيبة جلال

بمناسبة مرور ربع قرن على اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه الميامين، ارتأيت أن أسلط الضوء على الإنجازات العظيمة لجلالته خلال مسيرته المضيئة نحو التقدم والتحديث، فقد أشرقت شمس الإصلاحات لتضيء كل زاوية من زوايا المجتمع المغربي، وبما أنني صحافية وفاعلة حقوقية رئيسة جمعية بيت الحكمة التي تُعنى بقضايا الأسرة، اخترت أن أتحدث عن أبرز هذه الإصلاحات التي طالت مدونة الأسرة منذ عام 2004.

في لحظة تاريخية فارقة، وُلدت مدونة الأسرة الجديدة بفضل توجيهات ملكية سامية، تهدف إلى بناء مجتمع قوي ومتماسك يحقق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات الأسرية، ويحمي حقوق الأطفال، ويعزز استقرار الأسرة المغربية بقيم التضامن والتكافل، مواكبة للتطورات الاجتماعية ومعززة للهوية الإسلامية والخصوصية المغربية.

إن الإصلاحات التي حملتها المدونة كانت كالنسيم العليل الذي أتى بنسائم التغيير، حيث رفعت سن الزواج إلى 18 سنة للجنسين، وألغت الولاية الإجبارية على المرأة البالغة في الزواج، وفرضت شروطًا صارمة على تعدد الزوجات، وجعلت الطلاق حقًا للزوجين يمارس تحت مراقبة القضاء، كما وسعت حقوق المرأة في الحضانة والنفقة، وأقرت مبدأ المساواة في المسؤولية عن الأسرة بين الزوجين. هذه الإصلاحات الطموحة لم تكن مجرد تغييرات قانونية، بل كانت بمثابة انبثاق عصر جديد يعكس حكمة جلالة الملك وحرصه على تحقيق التوازن بين الحفاظ على القيم الإسلامية الأصيلة وبين متطلبات التنمية والتحديث في المجتمع المغربي.

لقد أدرك جلالة الملك محمد السادس، بحنكته السياسية وبصيرته النافذة، أن تطوير المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة يتطلب إصلاحًا شاملًا للمنظومة القانونية والاجتماعية، وأن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء مجتمع متماسك وقوي. ولذلك، فقد حرص جلالته على أن تكون مدونة الأسرة الجديدة متوافقة مع روح الشريعة الإسلامية السمحة ومع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، مما جعل هذا الإصلاح نموذجًا يحتذى به في العالم العربي والإسلامي.

وبعد مرور عقدين على تطبيق المدونة، أدرك جلالة الملك – بحكمته المعهودة – ضرورة مراجعتها لتصحيح بعض أوجه القصور التي ظهرت في التطبيق العملي. وفي خطابه السامي بمناسبة عيد العرش عام 2022، دعا جلالته إلى إجراء مراجعة شاملة للمدونة بهدف معالجة الثغرات القانونية المتعلقة بقضايا مثل تقسيم الممتلكات بعد الطلاق وإثبات النسب، وتشديد الضوابط على زواج القاصرات للحد من هذه الظاهرة، وتعزيز آليات الوساطة والتحكيم للحد من ارتفاع معدلات الطلاق، وتوسيع صلاحيات الأم في الولاية على أبنائها، وضمان التطبيق السليم والعادل لأحكام المدونة من قبل القضاة والموظفين.

إن هذه المبادرة الملكية السامية تعكس الرؤية الثاقبة والحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله في قيادة عملية الإصلاح المجتمعي بشكل متوازن يراعي ثوابت الأمة وقيمها الإسلامية من جهة، ويستجيب لمتطلبات العصر وتطلعات المجتمع من جهة أخرى. وتؤكد هذه المبادرة على حرص جلالته الدائم على تطوير وتحديث التشريعات الوطنية بما يخدم مصلحة المواطنين ويعزز مكانة المملكة المغربية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

لقد أكد جلالة الملك في خطابه السامي على أهمية الحفاظ على التوازن بين حقوق الرجل والمرأة، مشددًا على أن القانون ليس مخصصًا للنساء فقط، بل هو لصالح الأسرة بأكملها. كما شدد جلالته على ضرورة الالتزام بالتطبيق الكامل والسليم لأحكام القانون، وتجاوز أوجه القصور والجوانب السلبية التي كشفت عنها التجربة الميدانية. وقد أكد جلالته على أن هذا الإصلاح يجب أن يتم في إطار الاحترام الكامل لمقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي، مع الحرص على الاعتدال والانفتاح الفكري في تفسير النصوص، وتعزيز التشاور والحوار بين جميع الأطراف المعنية.

إن هذه التوجيهات الملكية السامية تعكس حكمة جلالة الملك وحرصه على تحقيق التوازن بين الحفاظ على الهوية الإسلامية للمملكة وبين متطلبات التنمية والتحديث، فجلالته يدرك تمامًا أن تطوير المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة يتطلب إصلاحًا شاملًا للمنظومة القانونية والاجتماعية، وأن الأسرة هي حجر الزاوية في بناء مجتمع متماسك وقوي.

ومن الجدير بالذكر أن جلالة الملك قد أولى اهتمامًا خاصًا بقضية المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، حيث أكد في خطابه على أن “منح النساء حقوقهن الكاملة لا يضر بالرجال ولا بالنساء أنفسهن”، وهذا يعكس إيمان جلالته الراسخ بأن تقدم المغرب وازدهاره مرهون بمشاركة المرأة الفعالة في جميع مجالات الحياة، وأن تمكين المرأة هو تمكين للمجتمع بأكمله، كما أن دعوة جلالته إلى تعميم محاكم الأسرة على مستوى المملكة وتزويدها بالموارد البشرية المؤهلة والوسائل المادية اللازمة تؤكد على حرصه على ضمان تطبيق عادل وفعال لأحكام مدونة الأسرة، وتوفير الحماية القانونية اللازمة لجميع أفراد الأسرة المغربية.

إن هذه الرؤية الملكية الشاملة والمتكاملة لإصلاح منظومة الأسرة في المغرب تعكس حكمة جلالة الملك محمد السادس وبعد نظره، فهو يدرك أن استقرار الأسرة وتماسكها هو أساس استقرار المجتمع وتقدمه، ولذلك، فإن جلالته يحرص على أن يكون هذا الإصلاح متوازنًا ومتناسقًا مع القيم الإسلامية والهوية المغربية الأصيلة، وفي الوقت نفسه يستجيب لمتطلبات العصر ويواكب التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المغرب والعالم.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نعبر عن أعمق مشاعر الامتنان والتقدير لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، على رؤيته الحكيمة وجهوده المتواصلة التي لا تكلّ في سبيل تطوير وتحديث المنظومة القانونية والاجتماعية في وطننا الحبيب. إن إنجازات جلالته في إصلاح مدونة الأسرة تُعدّ علامة فارقة في تاريخ المغرب الحديث، وتبرز مكانة وطننا كنموذج للإصلاح والتجديد في العالم العربي والإسلامي. نسأل الله العلي القدير أن يحفظ جلالة الملك محمد السادس، ويمنّ عليه بوافر الصحة والعافية، وأن يسدده ويوفقه لمواصلة مسيرة الإصلاح والتنمية لما فيه خير وطننا الحبيب وشعبه الوفي.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *