ربع قرن من المصالحة .. الملك محمد السادس وسياسة العفو والتسامح

ربع قرن من المصالحة .. الملك محمد السادس وسياسة العفو والتسامح

- ‎فيمجتمع, واجهة
img 1721567102514
إكسبريس تيفي

نجيبة جلال

منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين قبل خمسة وعشرين عامًا، أظهر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، روح التسامح والعفو والعطف كركائز أساسية لسياسته الاجتماعية، هذا النهج الإنساني كان واضحًا وجليًا منذ البداية، وتجلى بشكل خاص في خطابه في 30 مارس 2019 خلال مراسم الاستقبال الرسمي لقداسة البابا فرانسيس، حيث قال جلالته: “بيد أن هناك حقيقة أساسية، وهي أن الله غفور رحيم. وبما أن الرحمة من صفاته تعالى، فقد جعلنا السماحة والعفو والرأفة في صلب عملنا”. هذه الكلمات عكست رؤية جلالته الرحيمة التي كانت وما زالت تتجسد في قراراته وسياساته.

على مدى ربع قرن، كانت سياسة العفو التي انتهجها الملك محمد السادس رمزًا للرأفة والإنسانية. في الكثير من المناسبات، أصدر جلالة الملك عفوه لصالح العديد من نزلاء المؤسسات السجنية، في إطار نهجه الإنساني الذي يقوم على الصفح والرأفة، ومراعاة الاعتبارات الإنسانية للنزلاء المرضى والمسنين، وتحفيزًا لمن أبانوا عن حسن السيرة والسلوك خلال مدة تنفيذهم للعقوبة الصادرة بحقهم، مع احترام تام للقوانين والضوابط المعمول بها.

في عام 2011، شهدنا عفوًا ملكيًا عن 190 سجينًا، من بينهم معتقلون في إطار ما يعرف بخلية بلعيرج الارهابية، كان هذا العفو إشارة واضحة إلى توجه جلالة الملك نحو التسامح وإعادة تأهيل هؤلاء المعتقلين لدمجهم في المجتمع، وفي عام 2012، أصدر جلالة الملك عفوًا عن 458 شخصًا، بينهم ثلاثة سلفيين متهمين بالتعرض لأمن الدولة وموقوفين منذ عام 2003، وهم حسن كتاني ومحمد رفيقي المعروف بأبو حفص وعمر حدوشي، كان هذا العفو بمثابة رسالة قوية من جلالته على أهمية التسامح وفتح صفحة جديدة لمن يرغب في التوبة والاندماج في المجتمع.

في عام 2017، وفي مناسبة ثورة الملك والشعب، أصدر جلالة الملك عفوًا عن 13 معتقلًا محكومين في قضايا إرهابية شاركوا في برنامج “مصالحة”، وحوّل عقوبة الإعدام إلى السجن المحدد في ثلاثين سنة لفائدة سجين واحد. جاء هذا العفو استجابة لملتمسات العفو التي تقدم بها المعنيون بالأمر بعدما أعلنوا رسميًا تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية. كان هذا العفو خطوة مهمة في إطار جهود جلالته لتعزيز التسامح والمصالحة الوطنية، وإعادة تأهيل الأفراد لدمجهم في المجتمع كمواطنين صالحين.

في عام 2020، وبمقتضى عفو ملكي، أفرج جلالة الملك عن عشرات المعتقلين على خلفية “حراك الريف”، يتقدمهم المرتضى إعمراشن ومحمد المجاوي وربيع الأبلق ومحمد الأصريحي وعبد العالي حود وكريم أمغار وشاكر المخروط وصالح الخشم، هذا العفو كان دليلاً آخر على رغبة جلالة الملك في تجاوز الأزمات وتعزيز اللحمة الوطنية، وإرساء أسس المصالحة الاجتماعية بين كافة مكونات المجتمع المغربي.

وفي عيد الفطر الأخير من عام 2024، أصدر الملك محمد السادس عفوًا عن مجموعة من المحكومين في قضايا التطرف والإرهاب، بعدما أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية ونبذهم للتطرف والإرهاب. شمل هذا العفو 18 شخصًا، وكان بمثابة خطوة إضافية في إطار تعزيز التسامح والمصالحة الوطنية، وإعادة دمج هؤلاء الأفراد في المجتمع بروح جديدة من الالتزام والوطنية.

إن سياسة العفو التي ينتهجها صاحب الجلالة الملك محمد السادس ليست مجرد إجراءات قانونية، بل هي تجسيد لرؤية جلالته الإنسانية التي تهدف إلى تعزيز السلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية، وإعادة تأهيل الأفراد لدمجهم في المجتمع كمواطنين صالحين، في هذا السياق، يستحق جلالة الملك محمد السادس كل الثناء والتقدير على جهوده المباركة في نشر قيم العفو والتسامح والتعايش السلمي بين جميع المغاربة، إن هذه القيم النبيلة التي يتحلى بها جلالة الملك تساهم بشكل كبير في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وعدلاً، حيث يسود الاحترام المتبادل والمحبة بين جميع أفراده.

منذ توليه العرش، لم يتوانى جلالة الملك محمد السادس عن بذل الجهود لتعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق التنمية الشاملة في المملكة، وقد تميزت سياسته بالتوازن بين الحزم في تطبيق القانون والرحمة في التعامل مع الأفراد الذين يظهرون رغبة صادقة في التوبة والإصلاح، هذا النهج الشامل يعكس حكمة جلالته في إدارة شؤون البلاد، ويجسد رؤيته الطموحة لمغرب قوي ومزدهر يقوم على أسس العدالة والمساواة والتسامح.

في ظل قيادته الرشيدة، أصبح المغرب نموذجًا يحتذى به في مجال حقوق الإنسان والإصلاحات القانونية والاجتماعية. وقد شهدت المملكة تطورًا ملحوظًا في العديد من المجالات، بما في ذلك تحسين أوضاع السجون وتوفير فرص التعليم والتأهيل للمعتقلين، وذلك في إطار السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة دمج هؤلاء الأفراد في المجتمع بشكل إيجابي.

في الختام، يمكن القول إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، قد أرسى نموذجًا فريدًا في الحكم يقوم على قيم الرحمة والتسامح والعفو، هذه القيم التي تحلى بها جلالته لم تكن مجرد شعارات، بل تجسدت في سياساته وقراراته التي أثمرت عن تحقيق العديد من الإنجازات المهمة على صعيد حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية في المغرب.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *