باحدة عبد الرزاق
في زمن أصبح فيه الصمت أبلغ من الكلام، وتحولت فيه المبادئ المهنية إلى مجرد حبر على ورق، نجد أنفسنا أمام مشهد مخزٍ يكشف الوجه القبيح لما يُسمى زورا وبهتانا بـ”التضامن المهني”. خصوصا عندما شاهدنا الهيئات النقابية والمهنية الصحفية تقف متفرجة، بل ومتواطئة بصمتها، أمام الهجمات الشرسة والممنهجة التي تعرضت لها الزميلة نجيبة جلال، مديرة نشر إكسبريس تيفي، من داخل الوطن وخارجه، في زمن أصبح فيه التضامن انتقائيا.
لقد تجاوز الهجوم على نجيبة جلال كل الحدود الأخلاقية والإنسانية، فلم يكن الاستهداف مقتصرا عليها وحدها، بل امتدت أيادي الظلام لتطال أطفالها وأسرتها بأكملها. وكأن الجريمة الكبرى التي ارتكبتها هي التزامها بخط تحريري لا يروق لبعض الأطراف المتربصة بحرية الصحافة والتعبير.
أين كنتم يا من تدّعون الدفاع عن الحريات؟ أين صرخاتكم المدوية التي اعتدنا سماعها عندما يتعلق الأمر بصحفيين آخرين؟ هل أصبح التضامن سلعة تباع وتشترى وفقا للأهواء والمصالح الشخصية؟ أم أن الأمر أخطر من ذلك، فهل أصبحت الهيئات المهنية نفسها متورطة في محاربة حرية الرأي والتعبير من الداخل؟
إن ما تتعرض له نجيبة جلال من تشهير وتحريض وقذف، وصل إلى حد الدعوة الصريحة لاغتصابها، وهو وصمة عار على جبين كل من يدّعي الانتماء لمهنة الصحافة ولا يحرك ساكنا. فكيف نسكت عن هجوم شرس يشنه من يسمون أنفسهم زورا بـ”الحقوقيين” وهم في الحقيقة لا يستهدفون سوى أمن الدولة واستقرارها، بل ويتطاولون على المؤسسة الملكية؟ وكيف نغض الطرف عن يوتيوبرز معروفين بالتشهير من خارج البلاد والتطاول على المؤسسات الرسمية، يصلون في وقاحتهم إلى حد النيل من عرض الزميلة وشرفها والتطاول على زوجها بكل خسة وندالة؟ خصوصا عندما يكون هذا التطاول بإيعاز من زملاء مفترضين ومن أشخاص بالداخل. كم هو الأمر مخزٍ حقا.
إن هذا الصمت المريب وهذه الانتقائية المقيتة في التضامن، تكشف بجلاء أن الهيئات المهنية قد سقطت في مستنقع المصالح الضيقة، وأصبحت عاجزة عن أداء دورها الأساسي في حماية الصحفيين والصحفيات. فهل أصبح التضامن المهني رهينة لمحددات شخصية بعيدة كل البعد عما هو مهني وما يخدم المهنة؟
لقد حان الوقت لفضح هذا النفاق المهني وتعرية هذه الممارسات المخزية. فإما أن نقف جميعا صفا واحدا في وجه كل من يحاول النيل من زملائنا، أو نعترف صراحة بأننا قد فقدنا الحق في ادعاء الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير. إن استمرار هذا الصمت المخزي هو بمثابة موافقة ضمنية على استباحة كرامة الصحفيين وتعريض حياتهم وحياة أسرهم للخطر.
الزميلة نجيبة جلال واجهت ولا تزال تواجه باستماتة كل المتطاولين والمشهرين بصلابة وشجاعة المرأة المغربية الحرة التي تطبق مبدأ “الواحد يموت على بلادو أو على ولادو”، فهي لم تعد تخشى لغة الترهيب والوعيد التي تصلها. وليعلم الجميع أن الصمت في وجه الظلم هو مشاركة فيه، وأن التاريخ لن يرحم من تخاذل عن نصرة زملائه في أحلك الظروف. فإما أن نكون صحفيين حقيقيين نقف في وجه الطغيان والظلم أينما وجد، أو نعترف بأننا جبناء أو انتقائيين.