تصريح “المحامي الفاشل”.. اجتزاءٌ متعمد لتشويه الوزير وهبي

تصريح “المحامي الفاشل”.. اجتزاءٌ متعمد لتشويه الوزير وهبي

- ‎فيمجتمع, واجهة
IMG 20250405 WA0056
إكسبريس تيفي

 

نجيبة جلال /

 

في لقاء رسمي حديث، استهل عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، كلمته بجملة لافتة سرعان ما تحولت إلى مادة للتأويل والتشويه الإعلامي: “أنا محامٍ اشتغلت كثيراً في القضايا الجنائية، ويبدو أنهم جعلوني وزيراً، إما لأنني كنت فاشلاً، أو لأنهم أرادوا التخلص مني.”  

 

قد تبدو العبارة نكتة عابرة، لكنها أبعد من ذلك بكثير. إنها لحظة رمزية تحمل من الذكاء ما يكفي لفتح شهية التأمل. وهبي، القادم من عالم المحاماة لا من صالونات السياسة، لجأ إلى سلاح التهكم الذاتي، ليكسر حدة البروتوكول ويضع الحضور أمام حقيقة يعرفها جيداً: أن المسؤولية ليست تشريفاً، بل امتحان عسير، خاصة في وزارة تتقاطع فيها الحسابات مع الأحكام، والتاريخ مع اللحظة.

 

الجملة لم تكن زلة لسان ولا نكتة مجانية، بل مدخل مدروس لخطاب مختلف، أراد فيه الوزير أن يقول إنه ليس كغيره من الوزراء، لا يحمل نفس الخلفيات، ولا يتحدث بنفس اللغة، بل يمثل صوتاً من الداخل، صوت من اشتغل سنوات في دهاليز المحاكم، ويفهم جيداً معنى الإنصاف، ومرارة الظلم، وتعقيد الواقع.

 

ومع ذلك، لم تترك بعض الأقلام الفرصة تمرّ دون استغلال. وكما بات مألوفاً، سارعت بعض المنابر الإعلامية إلى اجتزاء الجملة من سياقها، وتوظيفها في حملة تضليلية جديدة، لا تستهدف وهبي فقط، بل تستهدف أيضاً فكرة الوزير المختلف، الصريح، الذي لا يختبئ خلف الأقنعة. ويبدو أن هذا الأسلوب أصبح نوعاً جديداً من “الصحافة السهلة”، أو “الجنس الصحفي التضليلي” الذي يقوم على الاصطياد في الماء العكر، لا على التحليل ولا على التمحيص.

 

لكن ما إن شد انتباه الحضور بهذه المقدمة الساخرة، حتى شرع وهبي في عرض محاور عميقة من تجربته الوزارية. تحدث بلغة المحامي لا بلغة الوزير، عندما جعل من قضية حقوق المرأة أولوية مصيرية، مستنداً إلى إعلان جلالة الملك عن تعديل مدونة الأسرة، ومعتبراً أن تثمين عمل المرأة في البيت ليس مجرد اعتراف رمزي، بل موقف أخلاقي وحقوقي يعكس تحولاً في النظرة المجتمعية.

 

ثم مر وهبي إلى موضوع غائب في كثير من الخطابات الرسمية، حين أشار إلى التراجع المقلق في حقوق المهاجرين والأقليات، معتبراً أن هذا الوضع “مخيف”. لم يتوقف عند التشخيص، بل أشار إلى الثمن الشخصي الذي يدفعه بسبب آرائه الجريئة، التي كلفته – حسب قوله – اتهامات بالكفر ومعاداة التقاليد، دون أن يتراجع عن موقفه، مذكّراً بأن المحامي الحقيقي لا يراعي المزاج العام، بل ينتصر للعدالة مهما كان الثمن.

 

وفي بُعد دولي للحديث، كشف وهبي عن تناقض فجّ يعيشه المغرب مع شركائه الغربيين، حيث يُطلب منه باستمرار فتح حدوده أمام الأموال والشركات، في حين يُضغط عليه لقبول إعادة المهاجرين. وهنا تساءل بمرارة: “هل نحن سوبرماركت يأخذون منه ما يحتاجون ويردّون ما لا يعجبهم؟”، في إشارة إلى الانتقائية الغربية التي تكرس لا عدالة عالمية واضحة المعالم.

 

وختم وهبي كلمته بتأكيده أن المغرب أيضاً في حاجة إلى كفاءاته، إلى الأطباء والمهندسين والدكاترة الذين كوّنهم وأنفق عليهم من ماله العام، ولا يمكن اختزال دوره في أن يكون “مزوداً” لبقية العالم دون مقابل.

 

في المجمل، كانت كلمة وهبي صريحة، صادمة أحياناً، لكنها أصيلة، لا تبحث عن تصفيق اللحظة بقدر ما تنحت في الذاكرة فكرة الوزير الذي يجرؤ على الكلام حين يصمت الآخرون، ويواجه لعبة التضليل الإعلامي بحقيقة لا تخشى الضوء.

وهكذا عهدنا عبد اللطيف وهبي… قد يصدمنا ببعض تصريحاته، وقد نختلف مع طريقة شرحه أو أسلوب تعبيره، لكنه في الجوهر يطرح قضايا حقيقية، ويخوض معارك من موقع المسؤولية لا المزايدة. ويبدو أن قرب صدور القوانين المرتبطة بتعديل مدونة الأسرة بدأ يحرك المياه الراكدة، ويُخرج إلى السطح تلك الوجوه التي اعتادت ركوب موجة التسلية والتشويش مع كل إصلاح وطني جاد.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *