الإجهاض المحظور.. جراح لا تُندمل لضحايا الاغتصاب وزنا المحارم في المغرب

الإجهاض المحظور.. جراح لا تُندمل لضحايا الاغتصاب وزنا المحارم في المغرب

- ‎فيمجتمع, واجهة
IMG 20250406 WA0052
إكسبريس تيفي

 

 

في ظل صمت القانون والمجتمع، تعيش مئات المغربيات كابوساً يومياً يبدأ بجريمة اغتصاب أو اعتداء جنسي داخل الأسرة، وينتهي بحمل قسري يتحول إلى حكم بالإعدام البطيء. فالقوانين المغربية التي تحظر الإجهاض إلا في حالات نادرة تترك الضحايا أمام خيارين مريرين: إما المخاطرة بحياتهن في عمليات إجهاض سرية، أو تحمل تبعات أمومة مفروضة تدفع ثمنها أجيالاً من الأبرياء.

تشير الأرقام الصادمة التي حذر منها صندوق الأمم المتحدة للسكان، في تقريره الذي قدمه خلال لقاء نظمه مكتبه بالرباط، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من أن أكثر من 60 في المائة من حالات الحمل غير المقصود تنتهي بالإجهاض، مسجلا أن 45 في المائة من جميع حالات الإجهاض غير آمنة، حيث تتسبب في 5 إلى 13 في المائة من جميع وفيات الأمهات، وبالتالي تؤثر تأثيرا كبيرا في قدرة العالم على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.. أما المفارقة الأكثر قسوة فتكمن في أن 80% من هذه الحالات لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الوصمة الاجتماعية والخوف من الفضيحة، مما يحولها إلى جرائم صامتة تدفن مع الضحايا في صمت.

خلف هذه الإحصاءات المجردة، تكمن قصص إنسانية مفجعة ترويها ضحايا اضطررن لتحمل تبعات قرارات لم يتخذنها. شيماء، الاسم المستعار لفتاة في السادسة عشرة من عمرها، تحملت سنوات من الاعتداء الجنسي من قبل أحد أفراد عائلتها قبل أن تكتشف حملها. العائلة التي كان من المفترض أن تكون ملاذها الآمن، أجبرتها على إكمال الحمل تحت ذريعة الحفاظ على شرف الأسرة. اليوم، يعيش طفلها في دار أيتام بينما تعاني “شيماء” من نوبات اكتئاب حادة تقول خلالها: “كل نظرة على ذلك الطفل تذكرني بكابوسي الأليم، كان يجب أن يكون لي حق الاختيار”.

أما خديجة، البالغة من العمر 22 عاماً، فلم تجد حتى هذا المصير “المتحضر” نسبياً. بعد تعرضها للاغتصاب، رفضت الجميع مساعدتها في إنهاء الحمل. ولجأت إلى عملية ولادة سرية تخلت بعدها عن الطفل، لينتهي بها الحال في شوارع القنيطرة هرباً من نظرات المجتمع التي تعاملها كمجرمة بدلاً من ضحية.

IMG 20250406 WA0049

المأساة لا تتوقف عند الضحايا المباشرات، بل تمتد إلى أطفال ولدوا دون ذنب ليواجهوا مصيراً قاسياً.
بينما يقبع مئات الأطفال في دور رعاية، فان أغلب الأسر المغربية ترفض تبني الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية او زنا المحارم، وفقاً لما تؤكده مسؤولة في إحدى الجمعيات الخيرية.

IMG 20250406 WA0050

من الناحية القانونية، ينص الفصل 453 من القانون الجنائي المغربي على عقوبة تتراوح بين سنة وخمس سنوات سجناً لكل من يخضع أو يجري عملية إجهاض، مع استثناء وحيد لحالات الخطر على حياة الأم. هذا التشريع الذي لم يشهد أي تعديل جوهري منذ عقود، يتناقض صراحة مع الدستور المغربي الذي يضمن الحق في الصحة والحياة الكريمة.

النتائج الميدانية لهذا الواقع القانوني لا تقل خطورة عن الجريمة الأصلية. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، 35% من وفيات الأمهات في المغرب مرتبطة بمضاعفات الإجهاض غير الآمن، بينما تفقد 8% من الضحايا خصوبتهن بسبب العمليات السرية. الأطباء في المستشفيات العامة يروون حكايات مروعة عن ضحايا يصلن في حالة حرجة بعد محاولات إجهاض ذاتي باستخدام أدوية او وصفات طبيعية خطيرة.

على الجانب النفسي، تكشف الدراسات أن 70% من ضحايا الحمل القسري يصبن باضطراب ما بعد الصدمة، مع معدلات مرتفعة من محاولات الانتحار بين الأمهات المراهقات. الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري تذكر في تقاريرها أن العديد من الضحايا يلجأن إلى إدمان المهدئات أو حتى البغاء كوسيلة للهروب من واقعهن المزري.

في مواجهة هذه الكارثة الإنسانية، تتصاعد أصوات المطالبة بإصلاح قانوني عاجل. لابد لنا اليوم من التفكير بجدية في تعديل التشريع ليشمل حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع إنشاء خطوط مساندة نفسية وقانونية مجانية للضحايا. بعض الفقهاء مثل محمد عبد الوهاب رفيقي بدأوا يدعمون هذا التوجه، مستندين إلى مبدأ “ارتكاب أخف الضررين” في الشريعة الإسلامية.

لكن المعارضة تبقى شرسة، خاصة من الأحزاب المحافظة التي تعتبر أي حديث عن تقنين الإجهاض “تغرّباً” و”خروجاً عن الثوابت الدينية”. هذا الموقف يتجاهل حقيقة أن دولاً إسلامية مثل تونس تتيح الإجهاض حتى الأسبوع الثاني عشر من الحمل دون شروط، مع إمكانية تمديد هذه المدة في حالات الاغتصاب.

السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: إلى متى سيستمر المغرب في معاقبة الضحايا مرتين؟ مرة عندما يفشل في حمايتهن من العنف الجنسي، ومرة عندما يجبرهن على تحمل تبعات هذا العنف مدى الحياة. بينما تتراجع معدلات الإجهاض السري في الدول التي شرعنت هذه العملية في حالات الاغتصاب، يبدو أن المغرب ما زال يفضل معالجة الأعراض بدلاً من الأسباب، معاقباً الضحايا بدلاً من الجناة، في دائرة مفرغة من المعاناة التي لا تنتهي.

1 30 زيارة , 1 زيارات اليوم

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *