ابو سارة /
شهدت العاصمة المغربية الرباط صباح اليوم الأحد مشهداً لافتاً حمل الكثير من الدلالات المقلقة، حين تعرض المستشار الملكي أندري أزولاي لهجوم لفظي عنيف خلال مسيرة نظمها كل من حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، حيث وجه له بعض المشاركين اتهامات وشتائم وصلت حد نعته بـ”الصهيوني”، في واقعة تهز صورة المغرب كبلد عرف لعقود بالتعايش والتعدد واحترام مكوناته الدينية والثقافية.
الهجوم لم يكن عفوياً. لم يكن انفعالاً معزولاً وسط حشد غاضب. بل بدا كأنه جزء من خطاب ممنهج يشيطن الدولة ورموزها، ويستهدف بشكل مباشر أحد الوجوه البارزة في النظام السياسي المغربي. أندري أزولاي لم يكن يوماً مجرد مستشار ملكي. هو أحد صناع صورة المغرب في الخارج، وواجهة للتعايش الديني والانفتاح الثقافي، وداعم لمسارات الحوار والاعتدال داخل مؤسسات الدولة. استهدافه بهذا الشكل لا يعكس فقط انحرافاً أخلاقياً، بل يؤشر على انتقال بعض التيارات السياسية والدينية إلى مرحلة جديدة من التصعيد، تضع تحت المجهر نواياها الحقيقية.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه الآن: من يحرّك هذه الموجات من التحريض؟ ومن المستفيد من ضرب رموز الدولة باسم الشعارات الدينية؟ وما مدى ارتباط هذا التصعيد بأجندات خارجية تسعى لاختراق التوازن المغربي؟
الوقائع والمعلومات المتقاطعة تفيد بأن جماعة العدل والإحسان تتلقى دعماً مالياً مشبوهاً من جهات أجنبية، بعضها يتحرك تحت لافتات جمعوية وخيرية. التمويلات تتدفق بصيغ غير شفافة، والهدف بات واضحاً: صناعة معارضة دينية راديكالية قادرة على التشويش على مؤسسات الدولة وإرباك الشارع. أما حزب العدالة والتنمية، الذي ما زال يراهن على ورقة الإخوان بعد سقوطها المدوي في دول أخرى، فتشير تقارير إلى تلقيه دعماً مالياً غير مباشر من قطر، في سياق مسعى أوسع لإعادة ضخ الحياة في مشروع إقليمي متهالك فقد شرعيته أمام الشعوب.
حضور الصحفي توفيق بوعشرين وسط المسيرة يعزز هذه الشبهة. الرجل، الذي رصدته الكاميرات وهو يتنقل بين المشاركين ولا يفارق هاتفه، ظهر وكأنه ينسق تفاصيل التحرك، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الجهة التي أوفدته لهذا الدور. بوعشرين معروف بعلاقته الوثيقة بالشيخة موزة، وكان دائم السفر إلى قطر قبل أن يدخل السجن بتهم خطيرة، بينها الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي على موظفات داخل جريدته “أخبار اليوم”. بعد قضائه سبع سنوات خلف القضبان، خرج مستفيداً من عفو ملكي، وها هو اليوم يعود ليزاول هوايته القديمة: العمل في خدمة أجندات خارجية، وتحريك الفوضى من خلف الستار.
الخطير في ما جرى اليوم ليس مجرد واقعة السب والشتم، بل ما تحمله من رسائل مبيتة ضد النظام السياسي، ومن محاولات لإعادة هندسة المشهد من خارج المؤسسات، عبر توظيف الشارع وتلغيمه بخطاب الكراهية والتخوين.
المغرب ليس ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإيديولوجية ولا حقل تجارب لمشاريع خارجية. الدولة مطالبة اليوم بتطبيق القانون بصرامة، وفتح تحقيق قضائي في ملابسات التحريض العلني ضد المستشار الملكي، والكشف عن مصادر التمويل الخارجية التي تقف وراء هذه التنظيمات.
ما جرى في الرباط كشف عن وجه جديد لتيارات لم تتصالح يوماً مع الدولة، ولم تؤمن يوماً بمسارها الديمقراطي، وهي تحاول اليوم العودة عبر البوابة الخلفية، مستغلة القضايا الكبرى، ودافعة بالبلاد نحو حافة الاستقطاب والتفكك.
لكن الرهان على الفوضى في المغرب رهان خاسر. والشعب الذي خبر تجارب الماضي لا تنطلي عليه مناورات الحاضر.