بوتشي… مكسيكي النسب تمغْرب!

بوتشي… مكسيكي النسب تمغْرب!

- ‎فيمجتمع, واجهة
WhatsApp Image 2020 10 02 at 10.52.57 AM
إكسبريس تيفي

طبق درب الانجليز يخيط جغرافيتين

بين الصور كنت جائلاً على نافذة اليوتوب، في بلد بيننا وبينه أميال ألفية من المحيط الأطلسي؛ كنت في المكسيك.
صادفت في رحلة بصرية، تدوينا بعدسة كاميرا شاب مغربي هاجر إلى بلد الأزتيك. هو كذلك كان جائلاً على متن سيارةٍ في أحياء العاصمة مكسيكو. شبّهَ بعضها بأحياء سلا، وكانت بعض أزقتها سلسلةَ مطاعمَ تشبه مطاعم “بوتشي” بدرب الانجليز بالدار البيضاء العتيقة…
مر الكل عابراً، سريعا، ومتثاقلا عند المقارنة.
من هنا بدأت رحلة التنقيب عن نسب ” بوتشي”، الذي تعلق به ساكنو البيضاء، وعابرون أُخَر.

في مكسيكو سيدي!

في نصف زقاق يمين شارع بوردو، ثلاثة مطاعم صغيرة معطوفة على بعضها، من أعلى هي ثالوث، وعند دخول هذه الرقعة تستشعر شيئا من وجه المكسيك، ذاك الذي بدا لي في صور التدوينة المرئية من أحياء على أطراف العاصمة، وقد يداخلك عين الانطباع إن شاهدت يوما فيلما كلاسيكيا غنائيا لأحد نجوم السينما اللاتينية، أو لما كان المكسيكيون في ضيافة كل بيت مغربي وعربي بقصصهم الدرامية الصابونية( نسبة لمسلسلات كانت ترعاها شركات الصابون المحلية قديما).

” بوتشي وهبة المغربية…عناق في الزقاق”

رائحة طعام دسم، وجداريات ” متصارعة” الألوان في الاستقبال!
يتباعد الزبائن مسافاتٍ وقت غداءٍ لم يودع بعد مسحة الصيف.
تنبعث أغنية ” راب” شجينة تعيش حاليا على عرش المشاهدات، تراقصها بحركات المطبخ هبة، عاملةٌ وحيدة بين العمال في رقعة البوتشي كلِّها.
توددتُ بسؤال …
شهرة البوتشي سبقت الآفاق، ما أصله؟
تجيب بتلقائية وتتفقد ثلاثة على آلة التحميص:
-اختراع مغربي مائة بالمائة
– أليس مكسيكيا أو يوحي لكِ بذلك؟
يأتي الجواب منها بعد تفكير خاطف:
-لا أعلم كثيرا، ولا أظن ذلك!
تصنعون هنا “طاكوس” و كوساميا”، وهي أكلات لاتينية بامتياز، أ ولم يُجلب معها؟
تبتسم ببداهة وترد:
– أصنع بوتشي منذ زمن هنا، ما وجدت عليه من سبقوني فعلته، وبقيت عليه إلى الآن.
يندفع الزبناء أفواجا متفرقة، تتساقط الطلبات، وتصنع جيوب البوتشي مرة أخرى، بخبز يشبه خبز التورتيلا المكسيكي، وتحشو وصاله بمورتديلا مبشورة مختلف نوعها وجبن لزج.

“* ألامبري… مكسيكي من سلالة بوتشي”*
“مغربي في المكسيك”، كافية هذه الكلمات المتتابعة في تحريك البحث عن عشرات الفيديوهات لمغاربة زاروا بلد المكسيك، ليس سياحةً، بل إقامةً، اختاروه كلٌ حسب غايته، واختاروا أن تصل أنباء مغاربة المكسيك عبر نافذة اليوتوب.
من بين هؤلاء، حسن، هو نفس الشخص الذي جال بي بدءًا في أحياء مكسيكو صوتا وصورةً وأوحى إلي!
يحدثني حسن عبر رسائل فورية، بعد أسئلة متجاورة :
” لم أتذوق قط بوتشي في المغرب، لكن وصفة الصنع مكسيكية نوعا ما، تشبه أكلة ألامبري، مكونها الرئيسي نقانق الهوت دوغ”، و غير الهوت دوغ تضاف قطع لحم البقر، و بطن البوتشي،مغربي الصنع، باللحم المصنع (المورتديلا) فقط يُملأ.
تذكر إحدى الصحف المكسيكية أن كل مكسيكي، سنة 2017، استهلك 8.6 كيلوغراما لحماً مصنّعا، وهو رقم يختلف نسبيا عن المغربي الذي يستهلك سنويا زهاء 13 كيلوغراما، فهل تعويض لحم البقر باللحم المصنع هو ما أكسب بوتشي شعبيته، أو لثمنه الذي يبدأ من ست دراهم؟
وعن وجه آخر من شعبية هذا الطبق، يكتب حسن في إحدى رسائله:” اسم بوتشي ليس متداولا في قائمة الأكلات الشعبية، لكن من الممكن القول إنه طبق مكسيكي بالمغربي، فالمغاربة يبهّرون كثيرا أما المكسيكيون فالتتبيل عندهم ملح وفلفل حار بالطبع”.

ملح وفلفل حار، وللاثنين بقية…

ملحه زائد، هذا أو ما خطر ببالي منذ أن تذوقته للوهلة الأولى، وفي أول وهلة أيضا، بعد جلوسي، سألني نادل يافع أشقر هل أبتغي صلصلة الفلفل الحار، اعتذرت منذ البدء، ولم أكن أدري أن متعة السفر إلى المكسيك عبر هذا الطبق هي الفلفل الحار، وهي نكهة تزداد لسعا كلما غصنا في الجنوب الإفريقي…

بعد الطلب بدقائق…

طلبت خدمته مجددا لأجل السؤال:
– ما هو أصل هذا الطبق من فضلك؟
رمقني باستغراب:
-ليست لي أدنى فكرة
– أ هو مكسيكي؟
– لا أدرك!
– ألا تحلم بالهجرة إلى المكسيك؟
– إطلاقا
– وإلى أين؟
– أحلم بفرنسا، أريد فرنسا
انتهى الحديث المقتضب على قول فرنسا، وكدت أن أفرغ من أكلي، وفتح حديث آخر في خلدي.
على شاشة اليوتوب حيث أهاجر، على صهوة الأشرطة، تذكرت ريبورتاجا شاهدته في زمن مضى، عن فرقة المارياتشي، كانوا يقفون في مساءات مكسيكو، ينتظرون سيارةً راغبة تحملهم على متنها كي يبيعون لحظة فرح لزبون.

مثلما حملتهم السيارة، حملتني الصور ل” فناني الشارع” بساحة ماريشال ليلاً.
فرغوا من عزفهم، ورافقوا زبونا لإكمال سهرة ودية، للفرح نفسه، أ فبعد تمازج الأكل تأتي صور الفن؟

أشرف النقاش

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *