لا يختلف اثنان على أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت عالما مفتوحا على مصراعيه، عالما يحمل في صفحاته محتويات ذات أهمية علمية كبيرة ، ومحتويات تعتبر نشازا لدى الكثير من رواد هذه المواقع، فما هي مواقع التواصل الاجتماعي؟ وكيف تؤثر في المجتمع؟ وهل يمكنها أن تؤثر في القرارات السياسية للدول؟
قبل سنوات لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي تعرف وتستعمل بهذا الشكل لكن مع التطور التكنولوجي أصبح العالم رقميا بامتياز، مما جعلنا نبحث عن مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي الذي وجدنا قاموس أوكسفورد عرفها بأنها (مواقع التواصل الاجتماعي ) عبارة عن مواقع وتطبيقات تسمح للمستخدمين بإنشاء وتبادل المحتوى أو المشاركة في التواصل الاجتماعي. أما الجامعة الأمريكية في بيروت فقد قدمت تعريفا لها بأنها تطبيقات تستخدم عبر الانترنيت وتسمح للمستخدمين بالتفاعل مع بعضهم البعض ضمن مجتمعات مختلفة ، بطريقة عامة عبر الانترنيت وهي شكل من أشكال التواصل الذي ينتج نقاشات مختلفة وتبادل المحتوى بين المستخدمين.
وانطلاقا من التعريفين أعلاه نجد أن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت نافذة التواصل بين أشخاص غرباء عن بعض وبجنسيات مختلفة وكذلك الأشخاص من وطن واحد ، الشيء الذي يجعلنا أمام ساحة كبيرة من النقاشات بمواضيع مختلفة وبطرق متعددة ، وأمام سرعة انتشار الخبر والاشاعة، هنا نجد أن الحياة العامة وتحديدا الحياة السياسية أصبحت تتكون من أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، مشهد فرضه التغيير الذي يطرأ على العالم ، ففي المغرب مثلا نجد أن هناك مجموع أصوات الناخبين الذين صوتوا في الانتخابات التشريعية لسنة 2016 هو : 5.791.049 حسب الإحصائيات الرسمية ، أما إذا ذهبنا الإحصائيات مواقع التواصل الاجتماعي فحسب موقع statcounter فإن عدد مستخدمي الفايسبوك في المغرب وصل سنة 2019 ل 17 مليون مستخدم ، أما الانستجرام فعدد مستخدميه بلغ 4,4 مليون مستخدم من نفس السنة … هنا وجب التوقف قليلا لنحلل وندقق في هذه الأرقام التي لها دلالتها ورمزيتها، حيث أن العمل السياسي لم يعد فقط مقتصرا على الميدان ومقرات الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات بل وجب على هذه الهيئات مواكبة متغيرات العالم والعمل على التأطير والتوعية الفكرية والسياسية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تشكيل الوعي السياسي لدى المواطنين بندوات رقمية وفيديوهات ومقالات لها صلة بالحياة السياسية للفاعل السياسي المنتمي لحزب معين ، لأنه (الوعي السياسي) هو المرحلة الأولى من مراحل المشاركة السياسية للمواطنين التي تتدرج من الاهتمام السياسي إلى المعرفة السياسية ثم التصويت السياسي، هذه الأمور لن تتحقق إلا إذا خرجت الأحزاب من جلبابها القديم المرتكز على العمل في الحملات الانتخابية فقط بل وجب التحول إلى العمل اليومي والتواصل اليومي مع المواطنات والمواطنين ميدانيا وفي مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت الآ تشكل قوة اقتراحية حقيقية نابعة من القاعدة الشعبية، ولنا في ” عريضة الحياة ” مثال على ذلك فهي انطلقت من الفايسبوك لتترجم على أرض الواقع بتوقيع حوالي 40 ألف مواطن فيها ، مما يؤكد على أن الفايسبوك أصبح حزبا غير مهيكل وأصبح له تأثيرا قويا على سلوك المواطنين وحياتهم اليومية من خلال مقالات وفيديوهات وتدوينات لمؤثرين تطوعوا لحمل مشعل التأطير والتوعية الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية …
وفي سياق آخر فمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دورا توجيهيا للسياسيين والحكومة من خلال التعبير عن مواقف تهمهم ، وإثارة نقاش عمومي داخل صفحاتها من قبل رواد هذه المواقع ، ونذكر من هذه القضايا ” المقاطعة – معاشات البرلمانيين – قانون تكميم الأفواه … ” إذ أنها فرضت مواقف وحققت من خلالها مكتسبات لا يمكن أن ينكرها أحد ، كما أن ” الربيع العربي” انطلقت شرارته الأولى من مواقع التواصل الاجتماعي وحققت البلاد من ذلك الحراك الاجتماعي الذي انطلق منها ( مواقع التواصل الاجتماعي ) دستورا جديدا أسس لمرحلة جديدة ، ولعل هذه الأحداث المترابطة التي كانت بسبب تلك المواقع توضح بالملموس التأثير على القرارات السياسية والحياة السياسية بصفة عامة بمجرد مقال او فيديو أو تدوينة يتبناها رواده ومستخدموه.
خلاصة القول والكلام ، إن من يثير نقاشات من قبيل التصدي لمؤثري مواقع التواصل الاجتماعي فهو يثبت أن ليس لديه القدرة على مسايرة التطورات الرقمية لأن هذه المواقع خطفت الأضواء منه وجردته من بعض صلاحياته الدستورية وأصبحت هي من يوصل صوت الشعب ، صوت يوجد في المدن والقرى والمناطق النائية التي يزورها ذلك الفاعل السياسي مرة كل خمس سنوات في حملته الانتخابية، كما أنها أصبحت هي الشاهد على وعود يقدمها ولا يلتزم بها ، لذلك النقاش اليوم يجب أن يصبح كيف يمكننا ممارسة السياسة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بتأطير من الأحزاب والنقابات والجمعيات وليس التصدي لمؤثرين لا يملكون سوى هاتفهم ورأيهم هذا إن أردنا التأسيس لحرية التعبير كاملة الأركان وليست عرجاء.
الأزعر ياسين