إكسبريس تيفي

بين بناية مجلس مدينة الدار البيضاء، وسور منتزه جامعة الدول العربية، ذاكرة ٌمثقلة بأيام البيضاويين الأولى، بفترات صارخة وحانية، بجيل سابق قد يعيش أحدهم لحظة حنين هنالك، عند مرور خاطف، أو نزهة قصيرة.

بين المكانين، هذه اللحظة، أصوات متعددة، تتعالى طرباً، عزفاً، وتزلجاً كذلك!
في منتزه ” نيفادا” يحدث هذا، يافعون ومراهقون، لهوُهم واحد، لوح للتزلج وكفى! لكن ليسوا كلهم واحدا…
” إكسبريس تيفي” التقت بنفر ممن يطلق عليهم” ستريت بويز”، وإن تُرجمت هذه الكلمة للدارج، قد يمسها سِباب.
كنا مع ثلاثة منهم، تفاصيلهم تفوق عددهم…

أسماؤهم هنا آتية حسب صورة الاستطلاع البارزة، من أقصى اليسار إلى ذات اليمين:
سعد، و طلب من أجل الاحتراف، وليد ومستقبل للإبداع فقط، محمد والحلم الأمريكي رفيق…

سعد… “نجم النيفادا البارع”

من المهد إلى لوح للتزلج، وبين الاثنين سنوات يقوى فيها الوله.
بدأ الثلاثة حياة ” السكيت” أو لوح التزلج هكذا، وسعد(18 سنة) ليس استثناءً، فشهرته سبقت الآفاق، وسؤال البراعة بين خلانه أخذ قصب سبقه.
” أكثر من عقد ونيف وأنا أسلي نفسي بلوح التزلج، لم أعر الأمر اهتماما في البدء، لكن عند سن 15 تقريبا، صرت مهتما للغاية”، ينبس وليد هذه الكلمات بنبرة توحي بالثقة والعزم، ولحظيا تتسلل حرقة ” دفينة” لكلماته: ” في هذا السن بالذات عانيت بشدة، قبل تشييد هذا الفضاء، كنت ورفقائي في الهواية، نتزلج في الشوارع، وكان هذا نذير شؤم وبلاوى علينا”.
يقص سعد عن أيام ماضية، كانت متعة اللوح مكلفة جدا، قد تقوده للعراك في الشارع، وعادة ما ينتهي السيناريو بالطرد واللجاج.
بعض الأحكام “نمطية” و”جائرة”، “يظنون أننا في فراغ دائم”، وباستدراك يواصل” لسنا مدمنين على أي شيء سوى اللوح، أنا مثلا أدرس فن الطعامة والطبخ”.
يبتسم في غمرة البوح، وبيمينه اللوح، ويقول” نريد فقط أمكنة للتزلج، كتسع ساحات للتزلج بالعاصمة الرباط” ويعرج على القول” انظر، هذا اللوح هو كل شيء في حياتي، علاقتنا تجاوزت الصداقة، أبوح له بكل شيء، وإكراما له، أطمح لاحتراف بطولات مغربية وعالمية، ولكن للأسف، لم تعد، آخرها كان سنة 2012″.
توسلات متتابعة من أجل التفاتة قصيرة، وبقي سعد في ساعاته الطويلة، يتزلج على الحفرة المزركشة ب” نيفادا”، تحيط به الأعين، وأطفال على أحذية العجلات، بينما يتناهى صوت هديج بعيد لفرقة موسيقية جمعتها حبال الود.

محمد… إرث من شقيق

المتشابه بينهم، هو تأثر الشقيق بالشقيق، يلتَف شغف الأخ الأكبر بالأخ الأصغر، ويبدأ الدرب…
من ناصية ” الدرب” بحي سباتة، يبدأ محمد( 19 سنة) رحلته صوب نيفادا، نفس المشهد يعاود، يتزحلق بين السيارات، يسابقها، بهلواني على العقبات، مراوغ في المنعرجات.
يصل لنيفادا على لوحه الخشبي المارق، ويواصل بذات الزمام…
” اللوح قصير عمره، هو كذلك يموت كأنه إنسان، عند نهاية حياته، يُكرمني رفقائي بلوح آخر، لأكمل ما بدأته سلفا”
تتخلل قولَ محمد كلمات انجليزية منفصلة عن بعضها، بذات الأسلوب يختم الدارس ل” الانفوجرافيك”( التصميم المعلوماتي)، حديثه المقتضب بشيء من الحلم،
” الانجليزية أجمل لغاتي، أحلم بالهجرة إلى أمريكا، أو أي بلد آخر…”.

وليد… كل شيء إلا الإبداع

يأتي هو الآخر على لوحه، لكن من درب السلطان هذه المرة.
وليد مباشرة، بعد انتهاء حصصه بمعهد الفنون الجميلة، يتأبط لوحه وينطلق في رحلة تدوم ربع ساعة، والوجهة معلومة، نيفادا، حيث الرفقاء والرفيقات.
الرفيقات هن قليلات، البارعات منهن يترددن على نيفادا أحيانا لا دوما. لقاؤهن حسب الحظ…
يقول وليد( 20 سنة) إن الجامع بين “السكيت” ومجال دراسته؛ شيء قريب جدا؛ إبداع.
“أربع سنوات وأنا هنا، أجل أربع واستطعت إتقانها”، ويمضي: ” عقب كل وجبة، أتزلج، هذه تضحية لكنها غير مكتملة، هنا مثلا في هذا المكان، الكثير من الأطفال يلهون حولنا، أحيانا قد نصطدم ببعض، وتبدأ قصة أخرى مع أمه أو أبيه، هنا الدار البيضاء كلها تجتمع!”.

ويمضي تباعا: ” ولكل واحد أسلوبه في الملبس، يلائمه حسب ذوقه في عالم “السكيت”، أما إن كنت تسأل عن جمالية هذا الفضاء، فربما المصابيح لم توضع في مكانها، عند حلول الليل يتحول إلى ظلام”.

بعض من الطرافة…

يحكي سعد:
” ثمة من يقفز من أعلى هذا الكوخ الحديدي المشربي هنا بنيفادا، ويتقن القفزة، ولا يهوى أرضا، بل يهوى حركاته والأمر لنا سيان”.

يحكي محمد:
” آتي إلى هنا على لوحي، وأعود متسلالا في حافلة المدينة، أحيانا يكشف أمري وأنزل في منتصف طريقي ليلا، وأكمل السير، وأحيانا تنجح معي التجربة، وهذا هو ” ستريت بويز” الحقيقي”

يحكي وليد:
” مرحبا بكل شخص في عالمنا، ما عليه سوى أن يثقف نفسه في مجالنا”.

Loading

‎تعليق واحد

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *