على قدم وساق، ينال “مارشي سنطرال”،
هذه الأيام، حظه من الترميم وإعادة التهيئة، في الجوار تنتصب لوحة في تعذرها المعهود عن إزعاج محتمل، وفي تعريفها للشركات المتبنية للأشطر.
صور غير مألوفة ودأب جديد لسوق قديم، يتجوف شارع محمد الخامس مكاناً، ويتجوف تاريخ البيضاء زماناً، منذ قرن وثلاث سنوات.
عمالٌ عالقون أعلى، على درج خشبي مؤقت، ضربات تمليطهم خفيفة على جدار قوس من أقواس السوق المركزي، منظر من الخارج، سيدوم لسنتين أو قاب قوسين أو أدنى من ذلك، حسب وعود مجلس المدينة والشركة المكلفة بالمشروع.
ومن الداخل، بدأ تغييرٌ يمر من ممرات “مارشي سنطرال”، تماما كما مرت فرنسا من هنالك. تغيير على بلاط السوق، وداخل المتاجر ولدى أربابها، وفي نظر من قابلتهم ” إكسبريس تيفي”، هو تغيير من أجل عودة ذاك التاريخ، وذاك المجد الفائت، وذاك العنفوان غير الضائع…
“ارفع السعر يأتيك الزبون الأيسر “
أرفعُ الأصوات التي تسمع عقب عبور عتبة بوابة السوق؛ الطرق، بمطرقة الطرق وفأس الحفر، تخترق منافذ الآذان على مبعدة منها، وعلى ذي مقربة يميناً، أريج من رائحة الزهر، تخترق هي الأخرى منافذ الأنوف على بغتة، ورود تنتظر عشاقاً يستلونها على صوت الإهداء، بستان في العين صنعته يد حسن؛ حسن الوجه المعروف لكل زائر تعلق قلباً ب” المارشي”، خمسة عقود بين باقات الأزهار، خمسون سنة في نفس المكان، لكن لا شيء بقي في مكانه…
” مارشي سنطرال تاريخ، سوق عالمي، عاش الأوج وسرعان ما خفت ذلك رويدًا رويدا”، يَقُص حسن شوك زهرة برتقالية، ولا يقص شريط الذكرى.
“كانت شخصيات بارزة تأتي للتسوق هنا، لكنها هجرت المكان دون رجعة، إن صار المكان نظيفا وجميلا، فسيعودون، ولا مشكلة إن رفعتَ من ثمن المنتجات، فحتما سيبتاع بضاعتك ميسورو الحال، وبكامل الرضى… هذا ما كان معمولاً به سلفا”.
وبنبرة توحي بالثقة، يقُص قَصصا هذه المرة، بنظرة نحو الأمل والمستقبل،” سيعود السوق كما كان، هذا الإصلاح سيفيد كثيراً، كل زائدٍ سيحذف، كل متسكع لم تكن له جرأة وطئ القدم هنا، في زمن المجد، سيغيب وللأبد، بالتأكيد ستُحل، وسيَحل رواج قريب”.
زبونة شابة، في انتظارٍ منذ دقائق، لطلبيتها التي أوشكت على الانتهاء، يتفانى حسن في ترميم شكلها النهائي، وبجانبه أيضا عمال بناء، يفعلون الشيء نفسه، تقريباً، يصلحون ويرممون…
“مطاعم السمك…حياة مؤقتة”
نهار في زواله، شمسه حارقة، فيها رمض من الصيف وهي في خريف…
خطو متوغل في أركان السوق، يقود لرقعة في المنتصف، تُباع فيها تصانيف الأسماك أغلبها، برودٌ يطرد ذاك القيظ، وبائعو الحيتان يصففون منتجاتهم البحرية بين الوهلات، على ندف الثلج.
من بين هؤلاء، صوت جمعوي بارز داخل السوق، عبد الإله عكوري، رئيس جمعية تجار مارشي سنطرال للتنمية المستدامة، ينظر لما يحدث حوله بعين استحسان وتفاؤل…
” هو إصلاح جذري؛ صرف صحي، وماء شروب، وتلبيس إسمنتي، وطلاء…”
هي الكلمات الأولى لعبد الإله عن مشروع يراه قفزة قفزها السوق في مساره، فكل محل سيُربط بهذا الجديد، وبعده وفاء والتزام بأداء الفواتير، وهو عكس ما كان سائداً قبل رفع علم الإصلاح.
” لا يخفى أن المارشي يعيش ركوداً في ظل أثر الكوفيد، وما أسعفنا في لحظات كهذه ؛ المطاعم المجاورة لنا بالسوق، فقد غاب عن طرفة عيني زبناء بقففهم مقصدهم الأول التسوق”، يرسم عبد الإله وصفاً لهذه الحلقة المتراصِ بعضها ببعض، فالزبون يقتني سمكه، ومباشرة من المحل إلى المشواة، وإلى المائدة أخيراً، وعلى هذاالنحو العجلة تتحرك…
ويمضي عبد الإله بعين انطباع التفاؤل معبّراً،” فور علمهم بنبإِ تهيئة المارشي، زارنا عدد من المواطنين بدافع الاكتشاف ورغبة الاستطلاع، وعبروا هم كذلك عن إعجابهم بهذه الخطوة التي لمست قلوبنا، وخلفت البهجة والابتهاج داخل الأروقة”.
ذوو الاحتياجات الخاصة… لا استثناء
لا استثناء حقا لذوي الاحتياجات الخاصة، فهم في دائرة التنمية، لجمعية في الأصل هي من أجل استدامة التنمية داخل السوق، ويقول رئيسها عبد الإله من جديد، ” اقترحنا طريقا خاصا لولوج ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ كان على طاولة التفاوض مع مجلس المدينة، ومرافقَ صحية كذلك لهذه الفئة بالذات، وقد نلنا الموافقة حيال ذلك”.
ماذا هناك!
المحلات حالاً؛ نصف مفتوح، وآخر مغلق، لكنه مغلق يعانق التغيير، مغلق وأصحابه مازالو في تجارتهم، بعد أن منحوا محلات أخرى داخل السوق، بديلاً، حال انتهاء أشغال البناء.
هكذا يعود ” مارشي سنطرال” بعد سنين من التواري، ابتعد عن تاريخ وهاهو نحو تاريخ، جديد قديم، في آن واحد.
فهل انتهى زمن الشكاوى المرهقة، وعلى خيط الترقب، بأي مظهر سيظهر ” مارشي سنطرال في رداءه الجديد” وهل سيعود محبوه القدامى، في حلبة استهلاكية تغيرت معالمها…
اللقاء بعد سنة أو ربما أكثر…