على أنقاض الأحلام الأولمبية: دعوة لتحرير الرياضة المغربية من العابثين بأحلام الجماهير

على أنقاض الأحلام الأولمبية: دعوة لتحرير الرياضة المغربية من العابثين بأحلام الجماهير

- ‎فيرأي, رياضة, واجهة
0
عبد الرزاق باحدة
إكسبريس تيفي

عبد الرزاق باحدة

في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ الرياضة المغربية، أجد نفسي عاجزًا عن كبح جماح قلمي الغاضب. فكيف لي أن أتأمل بهدوء في إخفاق يشبه زلزالًا هز أركان آمالنا وطموحاتنا الرياضية؟ إن صرح أحلامنا الأولمبية قد تهاوى في باريس 2024 كقصر من رمال أمام موجة عاتية من خيبات الأمل.

ميداليتان يتيمتان – ذهبية سفيان البقالي وبرونزية المنتخب الأولمبي لكرة القدم – تقفان شامختين كنخلتين وسط صحراء قاحلة من الإخفاقات. هما كوكبان منيران في سماء مظلمة، يحاولان عبثًا إنارة عتمة واقعنا الرياضي المرير.

وكأن هذا الفشل الذريع لم يكن كافيًا، نرى بعض المسؤولين الذين عششوا طويلًا في أبراجهم العاجية على رأس الجامعات الرياضية، يتباهون بهذه الإنجازات اليتيمة وكأنهم قد فتحوا الأندلس.

فمن شاهد عبد السلام أحيزون الذي التصق بجانب سفيان البقالي سيقول إن الرجل حقق إنجازًا باهرًا يجعله يمشي بافتخار أمام عدسات الكاميرات. أما مدير اللجنة الأولمبية فقد تجاهل الإخفاق وعبر عن سعادته بالميداليتين اليتيمتين، مما أثار غضب الكثير من المواطنين والإعلاميين الذين اعتبروا الأمر “استحمارًا”. هؤلاء، إنهم كمن يحاول إخفاء فيلٍ خلف عود ثقاب، متناسين أن حجم الكارثة أكبر بكثير من أن تخفيه بضع كلمات منمقة أو ابتسامات مصطنعة.

ألم يحن الوقت لننفض غبار السنين عن كراسي هؤلاء المسؤولين الذين أثبتوا فشلهم مرارًا وتكرارًا؟ إنهم كشجرة عقيمة تحتل مساحة ثمينة في بستاننا الرياضي دون أن تثمر. آن الأوان لاقتلاعها واستبدالها بغرس جديد يعد بثمار يانعة لمستقبل رياضتنا.

لقد استولى أصحاب رؤوس الأموال على مقاعد تدبير الشأن الرياضي كما يستولي الجراد على حقل أخضر، تاركين وراءهم أرضًا جرداء من الإنجازات. هؤلاء الذين لا يفقهون في الرياضة أكثر مما يفقه الأعمى في الألوان، كيف نسمح لهم بأن يرسموا مستقبل رياضتنا بألوان باهتة لا تليق بعلم وطننا العزيز؟ ولازلت أتذكر وقفة البطل الأولمبي والعالمي هشام الكروج عندما ترشح لرئاسة الجامعة أمام أحيزون، حين وقف مذهولًا وهو يشاهد كيف يسحب البساط من تحت أقدام أهل الاختصاص.

إن الوقت قد حان لننفض عن كاهل رياضتنا غبار سنوات من سوء الإدارة والتخبط. فبدلًا من الاكتفاء بحل الإدارات التقنية وتقديم “أكباش الفداء” كحل سطحي لا يسمن ولا يغني من جوع، كما فعل رئيس جامعة الملكية المغربية للملاكمة الذي عمر لأزيد من 22 عاما على رأس الجامعة، يجب علينا أن نبدأ من القمة. على رؤساء الجامعات أن يتحملوا مسؤولية هذا الفشل ويغادروا مناصبهم كما تغادر الطيور أعشاشها عند قدوم العاصفة، فاسحين المجال لمن هم أكثر كفاءة وخبرة في المجال الرياضي.

لقد مرت عقود ونحن نسمع وعودا فارغة تتردد أصداؤها في أروقة الجامعات الرياضية كصدى صوت في كهف مهجور. ونشاهد إخفاقات متتالية تتساقط كأوراق الخريف، تاركة أشجار آمالنا عارية في مواجهة رياح الواقع القاسية. فإلى متى سنظل نكتفي بالتبريرات الواهية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والاحتفاء بإنجازات متفرقة كقطرات ماء في صحراء العطش الرياضي؟

إن الرياضة المغربية تستحق أفضل من هذا. تستحق رجالًا أكفاء يضعون مصلحة الرياضيين والوطن فوق كل اعتبار، كما يضع الأب مصلحة أبنائه فوق مصلحته الشخصية. تستحق استراتيجية واضحة للنهوض بمختلف الرياضات، استراتيجية تشبه خارطة طريق دقيقة ترسم لنا معالم المستقبل المشرق، بدلًا من الاعتماد على بطولات فردية متناثرة هنا وهناك.

فلنتأمل إذن، ولكن ليس بهدوء هذه المرة. فلنتأمل بغضب بنّاء يشبه نار الحداد التي تصهر الحديد لتعيد تشكيله. فلنتأمل بعزم على التغيير يشبه عزم الفارس قبل المعركة الفاصلة. فلنتأمل في كيفية إنقاذ رياضتنا من براثن الفشل والتخبط.

وليكن هذا الإخفاق في أولمبياد باريس 2024 نقطة تحول حقيقية، كتلك اللحظة الفاصلة في حياة الفراشة حين تنفض عنها شرنقتها لتحلق في سماء جديدة. فلنجعل من هذه الكبوة محطة للنهوض، ومن هذا السقوط فرصة للارتقاء. ولنعمل جميعًا، مسؤولين ورياضيين وجماهير وإعلاميين، على إعادة بناء صرح الرياضة المغربية، حجرًا حجرًا، حتى نراها تعانق عنان السماء في المحافل الدولية، رافعة راية الوطن عاليا، مرددة نشيده بفخر واعتزاز.

فالرياضة المغربية ليست مجرد منافسات وميداليات، بل هي مرآة لعزيمة شعب وطموح أمة. هي حلم يراود كل طفل في أزقة مدننا وقرانا، وأمل يداعب خيال كل شاب على أرض هذا الوطن العزيز. فلنكن على قدر هذا الحلم، ولنرتق إلى مستوى هذا الأمل. ولنجعل من هذا التأمل بداية لعهد جديد، عهد تكون فيه الرياضة المغربية منارة للتميز والإبداع، وعنوانًا للنجاح والتفوق.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *