بقلم نجيبة جلال
في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتتضاعف التحديات، بات النصب والاحتيال يتخذ أشكالاً جديدة، تتجاوز الأساليب التقليدية لتطول حتى أروقة الدولة والمناصب العليا، مستغلة واجهاتها لخداع الآخرين. وفي واقعة أثارت صدمة الرأي العام، أصدرت الغرفة الجنحية الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالرباط حكماً بحق شخص استغل نفوذه الوهمي بانتحال صفة مسؤول بوزارة القصور الملكية، مما مكنه من خداع عشرات المسؤولين والوزارات.
استغل هذا المحتال خبرته السابقة كموظف سابق في القصر الملكي، وانتحل صفات مسؤولة ليخترق شبكات عليا، مدعياً قدرته على تحقيق مصالح شخصية لمستفيدين محتملين. وقد طالت أساليبه المخادعة شخصيات بارزة، مثل مسؤول في “وزارة” ومدير ديوانها، إضافة إلى مسؤولين آخرين بقطاعات حكومية متعددة.
ولم تقتصر شبكة احتياله على هذه الجهات فحسب؛ بل امتدت إلى عمالة الصويرة ووزارة الصناعة التقليدية وجهات رياضية، مثل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، للحصول على تذاكر لمباريات المنتخب الوطني، مما يعكس جرأة غير مسبوقة في استغلال المناصب وتزييف الهويات.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كشفت الوقائع عن حالات مماثلة. ففي حادثة أخرى، تمكن شخص آخر من خداع وزراء ونواب برلمانيين عبر انتحال صفة مسؤول في الديوان الملكي، مدعياً حاجته لمساعدات مالية بحجة إجراء عمليات جراحية، مظهراً فطنة في استغلال سذاجة وثقة ضحاياه في أهدافه الوهمية.
إن تكرار هذه الحوادث يشير إلى خطورة هذه الظاهرة، ويفتح باب النقاش حول ضرورة اعتماد آليات أكثر صرامة في التحقق من هوية المتصلين بالمؤسسات الحكومية، واتخاذ إجراءات أمنية لتعزيز الثقة المؤسسية وحمايتها من أولئك الذين يعتاشون على طموحاتهم الوهمية عبر تقمص عباءة المسؤولية.
تبقى هذه الوقائع كجرس إنذار يدق بقوة في فضاء العمل المؤسسي، داعيةً إلى مراجعة شاملة للإجراءات الاحترازية في مؤسسات الدولة، لتظل بعيدة عن أيادي العابثين ومحصنة من الأوهام التي يصدرها المتسلقون.