إكسبريس تيفي/ بلقاسم امنزو
أصبحت بعض المهن في هذا العالم، عالم “المهن المتجددة”، تحدد فقط بالبطاقة، بدل الكفاءة والمهارة والقيم، حتى أصبحنا نلاحظ ظاهرة “بادجات” الانتماء المهني “طالية” الزجاج الأمامي للسيارات والدراجات، مع العلم أن السياقة يحكمها قانون واحد لا مجال فيه للمهنة، كما نلاحظ صور “البطاقة” موضوعة بعناية فائقة في إطارات فوق المكاتب كأن صاحبها يحتاج في كل لحظة تذكيرا بأنه ينتمي إلى تلك المهنة.
في هذا السياق، أصبح بعض المحامين “يعرفون” ببطاقتهم المهنية وليس بمرافعاتهم ومذكراتهم، وأصبح بعض الصحافيين يشهرون بطاقتهم المهنية في المجتمع بدل فرض صفتهم بقلمهم وقيمهم، وأصبح بعض الأطباء يشهرون بطاقات زيارة، ويوزعونها بمناسبة أو غير مناسبة، للتعريف بالعيادة، بدل الاشتغال على سمعة مبنية أساسا على خبرتهم وعلمهم وإنسانيتهم، وأصبح بعض المهندسين المعماريين يرابطون في مقاه مجاورة للجماعات من أجل التوقيع على “البلان” لاستخراج الرخصة، وأصبح بعض الفنانين يقيمون حفلا بمناسبة حصولهم على “بطاقة فنان” مسلمة من طرف الوزارة الوصية، ويشهرونها في المعارض، ليؤكدوا للزوار أنهم فعلا فنانون بالبطاقة، وليس بالأعمال التي يعرضونها.
الظاهرة انتشرت بشكل غريب في كل المجالات، حيث نجد الخياط والحلاق والنجار والصباغ، وحرفيين آخرين يقدمون “بطاقة المهنة” ويتباهون بها بدل “الصنعة”، حتى تم إغراق الغرف المهنية بكائنات لا علاقة لها بهذه الحرف، وذلك من أجل تشكيل كتل انتخابية للتحكم في العملية وفي مصير الحرفيين الحقيقيين.
حتى في الميدان السياسي والنقابي، أصبح السياسي “معروفا” ببطاقة الانتماء الحزبي، بطاقة الانخراط، وليس بالمواقف التي توضح التوجه السياسي والفكر السياسي الذي يؤمن به ويدافع عنه، وأصبح النقابي كذلك يقدم انتماءه النقابي قبل مداخلته لأنه يعرف ألا أحد يمكن أن يفهم تموقعه على الخريطة النقابية بموقفه وخطابه.
هذه الظاهرة الغريبة بدأت منذ مدة في تفريخ ظواهر أخرى أكثر غرابة، حيث أصبحنا نلاحظ محامين يشتغلون فقط بen-tête ديالهم، بينما هناك من يكتب لهم المرافعات، وأقصى مايفعله بعض المحامين هو فقط تلاوة تلك المرافعات في الجلسات، ووضعها في المذكرات لتقديمها في ملفات المسطرة الكتابية، كما نجد “كتابات” موقعة من طرف صحافيين وهم لا يعرفون الكتابة، كما نصادف فنانين يعرضون أعمالا فنية لم يقوموا سوى بتوقيعها، وكل هؤلاء ينظمون ندوات حول “أخلاقيات المهنة”. أين هي “الصنعة” لنتكلم عن أخلاقها ؟
دائما في نفس السياق، نتابع سياسيين ووزراء ونقابيين يقرأون خطابات كتبت لهم من ألفها إلى يائها؛ أفكارا وتصورا وتحريرا، ويتحدثون عن الكفاءة والمهارات وتخليق الحياة العامة.
كثرت وتناسلت هذه الظواهر في كل المجالات، وأصبح كل شيء مبنيا على المظاهر، “الماكياج” شكلا ومضمونا.
الوزير بالبطاقة، والسياسي بالبطاقة، والمحامي بالبطاقة، والصحافي بالبطاقة، والحرفي بالبطاقة، والمياوم بالبطاقة…
وهناك قوانين تعاقب من يزاول مهنة دون الحصول على البطاقة الخاصة بها، حيث يتابع بتهمة انتحال صفة ينظمها القانون.
هذه القوانين تنظم فعلا هذه المهن، ولكن لا تحمي الكفاءة والمهارة الواجب توفرها. في هذا الإطار حَبَّذا لَوْ تمت صياغة قوانين إضافية لتعزيز الترسانة القانونية معاقبة من يحمل البطاقة ولا يتقن “الحرفة” المشار إليها في هذه البطاقة. ماذا سيقع لو صيغ هذا القانون وتم تطبيقه؟