ربع قرن من الإصلاح والتجديد: حين أثبت الملك أنه قادر على تحريك جيشه دفاعاً عن الصحراء المغربية

ربع قرن من الإصلاح والتجديد: حين أثبت الملك أنه قادر على تحريك جيشه دفاعاً عن الصحراء المغربية

- ‎فيواجهة, سياسة
img 1721578400191
إكسبريس تيفي

إكسبريس تيفي: مصطفى الفيلالي 

 

في 13 نونبر من سنة 2020، وفي الوقت الذي بدأ فيه المغاربة يتعودون على مشاهد انتشار عناصر الجيش في العديد من المدن المغربية ضمن جهود تطويق كوفيد 19، كانت القوات المسلحة تتدخل ميدانيا في الصحراء دفاعاً عن أراضيها، منهية احتلال شرذمة البوليساريو للطريق البري الرابط بين المغرب وموريتانيا، مع ترك رسالة من جلالته مفادها أن قضية الصحراء لن تقف عن حدود العمل الدبلوماسي، بل إن حمل السلاح قد يكون خيارًا دفاعاً عن وطننا.
ملف الكركرات طبع زمن حكم الملك محمد السادس، حيث شكل منعطفا حاسما في التعامل مع ملف الصحراء، الذي قال عنه جلالته إنه المعيار الواضح والبسيط الذي تقيس به المملكة صدق الصداقات ونجاعة الشراكات. تدخلٌ ملكي، أفسد خطط الجارة الشرقية التي توقعت أن يطول أمد العملية الميدانية في الكركارات كي تصرف أزماتها الداخلية إلى الخارج، خصوصاً حراك 2019 الذي انتفض ضد سياسية العسكر الجزائري مطالباً إياه بالكف عن الاغتناء من ثروات البلد وتصحيح ما يمكنه تصحيحه وسط بلد يعيش على أنقاض شيوعية الماضي.
حكاية الكركرات ارتبطت أساساً بحراك 2019 في الجزائر الذي أدى إلى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المقعد بعدما تحولت الاحتجاجات ضد ترشحه لعهدة رئاسية خامسة إلى مسيرات حاشدة غاضبة من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلد النفطي والغازي، رافعة شعار “يتنحاو كاع”. في ذلك الوقت اختارت الدبلوماسية المغربية التي يقودها الملك محمد السادس، سياسة الحياد، لدرجة أن الخارجية أصدرت بلاغا شديد اللهجة ضد صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية السابق، حين تطرق إلى الأمر بصفته رئيسا للاتحاد العام لمقاولات المغرب، ما أدى إلى استقالته.
لكن حين نُصب عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد، وتعويض السعيد شنقريحة المعادي للمغرب الراحل أحمد قايد صالح، في رئاسة أركان الجيش، عمل على تطويق حراك 2019 مستغلاً جائحة كورونا لمنع الاحتجاجات ثم مطاردة الجنرالات السابقين المتورطين في العشرية السوداء والمطاردين قضائيا في عهد قايد الصالح، وكذا تصريف الأزمة بالحديث عن خطر آت من المغرب. وإلى جانب الخطاب الداعم للبوليساريو من تبون وشنقريحة منذ وصولهما إلى كرسي السلطة، كان هناك تحرك ميداني يهدف إلى خلط الأوراق بالمنطقة، حيث لم تجد الجزائر أنسب من فتح ملف الكركارات مجددا، وهي المنطقة التي حاول المغرب تحريك قوات الجيش والدرك باتجاهها في غشت من سنة 2016، وتحديدا في المنطقة المعروفة بقندهار. وفي أكتوبر من سنة 2020، عادت البوليساريو إلى الكركارات بدعم من الجزائر، من خلال إرسال العشرات من الموالين لها إلى الطريق الرابط بين المغرب وموريتانيا، بل بين المملكة وغرب إفريقيا زاعمة أن الأمر يتعلق بمحتجين سلميين وأنها ستتحرك دفاعاً عنهم عسكريا حتى صدقت الجبهة الانفصالية أنها أحكمت السيطرة على المنطقة.
مشاهد اعتراض البوليساريو للشاحنات المغربية استفزت المغاربة قاطبة، حتى صار الكل يتسائل ما إن كان جلالته سيقف مكتوف الأيدي أمام هذا الوضع، خصوصا وأن تقرير مجلس الأمن في 30 أكتوبر 2020 دعا بعبارة واضحة إلى الامتناع عن أي أعمال من شأنها زعزعة استقرار الوضع في الصحراء، مع دعوة أنطونيو غوتيريش عناصر البوليساريو  بالخروج من المنطقة، لكن الجبهة اعتبرت أن ذلك يمثل انحيازا للأمم المتحدة والدول الكبرى للمغرب. ولم يمر وقت طويل حتى أعلن المغرب في عهد الملك محمد السادس في طريقة غير معهودة منذ الانتهاء الرسمي للأعمال القتالية قبل 30 عاماً، أنه مستعد للتدخل عسكريًا في الصحراء بعدما عجزت الوساطة الأممية في إعادة الأمور إلى نصابها.
في ظرف وجيز استعاد الجيش المغربي السيطرة على معبر الكركرات، وفرت عصابة البوليساريو تاركة متاعها وأسلحتها المتهالكة، وخاطبت الرباط العالم بسرعة من خلال وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، عبر بلاغ قالت فيه إنه “أمام الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة لميليشيات البوليساريو في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء المغربية، قرر المغرب التحرك، في احترام للسلطات المخولة له، وذلك بمقتضى واجباته وفي انسجام تام مع الشرعية الدولية”. وأوضحت الوزارة أن المملكة بعد أن التزمت بأكبر قدر من ضبط النفس أمام استفزازات ميليشيات البوليساريو لم يكن أمامها من خيار آخر سوى تحمل مسؤولياتها من أجل وضع حد لحالة العرقلة الناجمة عن هذه التحركات وإعادة إرساء حرية التنقل المدني والتجاري مذكرة بأن الجبهة وميليشياتها، التي تسللت إلى المنطقة منذ 21 أكتوبر 2020، قامت بأعمال عصابات هناك، وبعرقلة حركة تنقل الأشخاص والبضائع على هذا المحور الطرقي، وكذا التضييق باستمرار على عمل المراقبين العسكريين للمينورسو، معتبرة أن هذه التحركات الموثقة تشكل بحق أعمالا متعمدة لزعزعة الاستقرار وتغيير الوضع بالمنطقة، وتمثل انتهاكا للاتفاقيات العسكرية، وتهديدا حقيقيا لاستدامة وقف إطلاق النار.
عملية الكركارات أربكت الحسابات الجزائرية، بعد استمرت الرباط في بسط سيطرتها على أجزاء جديدة من المنطقة العازلة، وأعاد المغرب تشكيل الجدار الأمني بضم أجزاء جديدة من المنطقة العازلة بما سمح له بإغلاق أي منفذ إلى الواجهة البحرية الأطلسية عبر هذه المنطقة. وقاد الملك محمد السادس توجها جديدا بخصوص ملف الصحراء، مستمرا في نهج سياسة اليد الممدودة للجزائر، لكن مع التأكيد على أن مغربية الصحراء ليست أمرا يقبل النقاش، وكان ذلك هو الأساس لتحولات كبرى في المنطقة، أبرزها إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في إطار اتفاق ثلاثي وقع بالقصر الملكي بالرباط، كانت الإدارة الأمريكية طرفا فيه من خلال إصدار الرئيس السابق دونالد ترامب مرسوما رئاسيا اعترفت بموجبه واشنطن بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية في دجنبر من 2020.
وهكذا، أصبح الحسم في الموقف من قضية الصحراء بعد عملية الكركارات، مطلبا مغربيا مباشرا ، أدى إلى سحب سفيرتي المغرب من ألمانيا وإسبانيا، الدولتان اللتان أنهتا الأزمة مع الرباط بإعلان دعم مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو السيناريو الذي يتكرر الآن مع فرنسا، ولخصه الملك محمد السادس في خطابه في ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2022 حين قال “أوجه رسالة واضحة للجميع، إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات. 

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *